حقاً وصدقاً.. ” أوهن من بيت العنكبوت “

شارك القصة

حقاً وصدقاً.. ” أوهن من بيت العنكبوت “
حقاً وصدقاً.. ” أوهن من بيت العنكبوت “
الخط

أحمد فؤاد /

ال يشبه صراعنا العربي الحالي مع العدو الصهيوني، كثي ًرا من الصراعات في التاريخ إلنساني
المعروف، والتي كانت كلها محر ًكا ودافعًا لصناعة هذا التاريخ، بل يمكن القول فصًًل أن هذا الصراع
هو صراع بقاء خام، صراع بين حق وباطل، وليس بينهما بين، صراع ال تختلط فيه المصلحة بالمبدأ
وال يصلح لنبل غاياته الوصول بما هو دونها من أساليب، صراع نحن أو هم.
وفي ظل الظرف التاريخي الحالي، بيننا وبين عدونا، وقعنا في فخ اختًلل عًلئقي هائل، سواء في
مناسبة الواقع أو توزيع القوى، إذ يستأثر الكيان المصنوع والممول والمستمر بإرادة غربية عليا، على
كل مفاتح القوة واإلمداد، بينما نعاني أمامهم على مستويين، فمن جهة الحكومات خاضعة أو عاجزة، أو
في الغالب كليها معًا، والشعوب أعجز من هذه األنظمة المهترئة، وال تقوى على امتًلك شروط إعادة
تجديد بنيتها االجتماعية والسياسية أوًال، في وجه عدو خارجي وعدو داخلي يحكم ويسيطر ويخنق،
وتحولت الدول العربية بكل مستوياتها إلى طرف مكشوف تما ًما أمام أعدائها، وقصعة يتداعى إليها من
يرغب ومن يريد.
في هذا المناخ الخانق ومن وسط اآلمال الميتة، يخرج عدي التميمي، بطل من أرض فلسطين العربية،
المحتلة كما شقيقاتها العربية بالضبط، يذيق العدو األول والحقيقي بعض ما قدمت يداه من رعب وقهر
وخوف، ويزرع في قلب كل شارع وكل مغتصبة وكل مدينة في الكيان راية وحيدة منتصرة، اليد
الفلسطينية الخالية إال من إيمان وصدق ووعد هللا، تنهض وتعبر وتأخذ بثأر كل طفل عربي، وتبرد قلب
كل أم عربية، وتمنحنا مع الفرحة، اليقين بالنصر اآلتي والحتمي.
هذا الفتى صاحب الـ 22 ربيعًا، والخارج من مخيم يحاصره، حتى الخنق، جبروت االحتًلل وجدار
الفصل البغيض وحكم السلطة العميلة والمستوطنات التي تكاد تمص ما تبقى من روحه، خرج ليثبت من
جديد قدرة الدم الزكي على الرفض وقول صرخة ال المدوية، ويؤكد على كلمة سماحة السيد الخالدة
“أوهن من بيت العنكبوت”، وطالما امتلك أي فرد عربي اإليمان والتصميم، فإنه يستطيع أن ينشب
مخالبه في رقبة هذا الكيان الهش، ويهزه إلى أعمق األعماق.
ولعل أعظم مشاهد قصة عدي التميمي، هي قصة النهاية، التي تأتي أروع ما تأت ي في قصص شهداء
الفداء وأساطير الشعوب الخالدة أبدًا، ذلك التجسيد بالدم للقضية والشرف والعزة، والروح التي تقاتل
باحثة ومتلمسة طريقها إلى سماوات الجًلل والجمال والكمال، النفوس األبية التي ال تكتفي فقط بتجاوز
واقعها وواقع أمتها، لكنها تعمد الطريق الوحيد للخًلص الجمعي لإلنسان والوطن.
ا عن التقليب في ما ٍض فات وقته وعبرنا
حين يكتب أي شخص عن عدي التميمي، فإنه ال يكتب بحثً
مشاهده، بل هذه الكتابة تحديدًا موجهة إلى أجيال جديدة وشابة، لم تعاصر كل وقائع الصراع مع العدو
ومن خلف العدو، وبالتالي فإن قصة هذا الصراع تعرضت لتًلعب األهواء وتقلب األغراض بين
رواتها، قصدًا وعمدًا لطمس الحقائق وتمييع المسؤوليات، ثم تضيف عليها ما يغطي عليها أو يشوه
وجهها، إلن المطلوب األول من عدونا –وال يزال – تغييب الذاكرة العربية، وسحق الوعي واغتيال
الهوية الجامعة لألمة، للوصول بها إلى مرحلة الكفر بالقضية، والضغط على أعصابها الحساسة
المكشوفة إلى درجة التخلي عن الدور الواجب والتكاليف المطلوبة.
والواجب والمطلوب اآلن، من كل عربي حقيقي، أن ال يتوقف عن تذكر الشهداء واألبطال، ووضعهم
في مدار أساطير الفداء الشريف واإلقدام المذهل على الجهاد في سبيل هللا، كأعظم ما يكون هذا الفداء،
وذكرهم دو ًما، وعلى المأل، وإعادة ترديد أسمائهم تحيط بها غًلالت الجًلل واإلكرام وترافقها أناشيد
البطولة والشهادة والعزة.
هؤالء الشهداء هم األوراق/ الزهرات الملونة، التي تجمل األيام والسنوات، وتنفي عنا -كأمة وأفراد-
صفات التيبس واالستسًلم، هم الرد الكامل والوافي على كل من يرغب في تدمير إرادتنا وبالتالي كسرنا
دون رصاصة واحدة، وكما منحونا شرف الشهادة وأكاليل المجد والفخر، فلهم في أعناقنا دين استمرار
ذكرهم، طوال اليوم وكل األيام، تحية واجبة وكلمة حق في وجه زمن جائر، هؤالء هم نحن في أفضل
صورة لنا وأجمل تمثيل إنساني ممكن للعربي والمسلم، لم يهن المواطن العربي في فلسطين، كما لم يهن
القلب العربي، وعدي البطل يعيد كتابة قصص المجاهدين األولين، عز الدين وسعد وسليمان ورضوان
وقاسم.
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=47058&cid=121 :ا